محمد بن عبد الله السحيم
جلس علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يوماً متأملاً أشد مخلوقات الله – سبحانه – فقال: ” أشدّ خلق ربك عشرة: الجبال، والحديد ينحت الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح تقل السحاب، والإنسان يتقي الريح بيده ويذهب فيها لحاجته، والسكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهم يمنع النوم، فأشد خلق ربك الهم ” رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: رجاله ثقات، فالهمُّ من أشد ما يفتك بصحة المرء ورشده، ولذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله منه دوماً، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: ”كنت أخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول: ” اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال “، والهموم تتنوع وتختلف، ومن أشد الهموم وطأة على المرء همُّ الدين، فمن الأمثلة السائرة عند العرب في ذلك قولهم:
لا همَّ إلا همُّ الدين، وقولهم: الدَّينَ ولو درهم ( أي: احذر )، وكان يقال: الَّدين ينقص من الدِّين والحسب، ويقال: الدَّين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، ويقال: إياكم والدَّين فإن أوله همّ وآخره حرب، ويقال: الدَّين رق، فليختر أحدكم أين يضع رقه، وكان يقال: الأذلة أربعة: النمام والكذاب والفقير والمديان، ويقال: حرية المسلم كرامته، وذله دينه، وعذابه سوء خلقه، وقال عمر بن عبد العزيز: الدَّين وقر طالما حمله الكرام، وبث أحدهم معاناته مع الدَّيْن شعراً فقال:
ألا ليت النهار يعود يومــــاً * فإن الصبح يأتي بالهموم
حوائج ما نطيق لها قضاءً * ولا دفعاً وروعاتُ الغريم